استحوذت شركة مكدونالدز في مارس الماضي على شركة «ديناميك يلد» الناشئة مقابل 300 مليون دولار، أملاً في توظيف تعلم الآلات في إعطاء طابع شخصي لخبرة المستهلك. و«ديناميك يلد» معترف بها على نطاق واسع، باعتبارها تكنولوجيا مدعومة بالذكاء الاصطناعي، واحتلت في الآونة الأخيرة مكاناً في القائمة المرموقة من الشركات الصاعدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
لكن المشكلة أن منصة «ديناميك يلد» لا علاقة لها بالذكاء الاصطناعي، وفقاً لمقال نشره الشهر الماضي رئيس قسم المحتوى السابق للشركة مايك مالازو في موقع «مديام». وأقام «مالازو» حجته على أن المسوقين والمستثمرين والخبراء والصحفيين والمتخصصين في التكنولوجيا جميعهم متورطون في خدعة عن الذكاء الاصطناعي. وكتب يقول إن تعريف الذكاء الاصطناعي «مختلط للغاية لدرجة أن أي تطبيق للمصطلح يمكن الدفاع عنه».
ونقد «مالازو» يخلط بين قضيتين مختلفتين. الأولى هي التسويق المضلل عمداً والشائع في كثير من شركات التكنولوجيا الصاعدة والذي يجسده فيما يُعتقد بعض شركات سلاسل كتل البيانات. وهذا ذكرني بالقصة المشينة لشركة «لونج آيلاند ايس تي» التي شهدت ارتفاع أسهمها 289% عام 2017 بعد أن غيرت اسمها إلى شركة «لونج بلوكتشين»، مشيرة إلى خطط غائمة عن استكشاف تكنولوجيا سلسلة الكتل. والقضية الثانية هي أنه على خلاف مصطلح «بلوكتشين» (سلسلة الكتل) فإن مصطلح الذكاء الاصطناعي واسع النطاق ومبهم، وغالباً ما يعني «شيئاً يحل المشكلات الصعبة». لكن هذه القضية سابقة على الفترة الحالية. ويمكننا فهمها على أحسن وجه بفحص تاريخ الحقل المعرفي وأسسه الفكرية.
فقد ولد الذكاء الاصطناعي، كحقل علمي، عام 1956 في ورشة عمل صيفية في «دارتماوث كوليدج»، وذكر بيان مهمة ورشة العمل أن على المشاركين الأحد عشر أن يحققوا في شهرين «تقدماً كبيراً» في مهمتهم الخاصة باكتشاف «كيفية جعل الآلات تستخدم اللغة وتشكيل المفاهيم المجردة والتصورات وحل أنواع من المشكلات المقتصرة حالياً على الإنسان وتحسين نفسها». ونطاق رؤية المؤسسين كانت مذهلة، لدرجة أنه بعد ستة عقود ما زالت مهمة ورشة العمل مصدراً للإلهام. وما زلنا بعيدين عن إدراك هذه الرؤية، لكنها أعطت دفعة لمجال مترامي الأطراف من البحث. حتى التعريف الواسع للرائد «مارفين مينسكي» للذكاء الاصطناعي، وهو «علم يجعل الآلات قادرة على القيام بمهام تتطلب ذكاء» إذا قام بها البشر، هذا التعريف لم يتحقق في الوقت الحالي.
لنأخذ مجال الذكاء الاصطناعي كبحث استكشافي، على سبيل المثال. لقد بدأ في ستينيات القرن الماضي بفريق من الباحثين في معهد ستانفورد البحثي الذي كان يصمم روبوتاً له قدرة تمثل ثورة في ذاك الوقت على التحرك ذاتياً وتجنب الاصطدام بالعقبات. وأطلق الباحثون على أول لوغاريتم لتحسس الطريق «أيه.1». ثم أطلقوا على اللوغاريتم التالي «أيه. 2» وسمي الأخير «أيه» (استريك).
واتضح أن الانتقال من نقطة إلى أخرى يشبه الخروج من شكل مبدئي للغز للوصول إلى حله. وهذا يجعل «أيه» (استريك) لوغاريتماً متنوعاً بشكل هائل، ويعتبره الأكاديميون واحداً من أهم الأدوات وأكثرها أساسية في ترسانة الذكاء الاصطناعي. لكن اللوغاريتم بسيط للغاية، فهو يحدد التحرك التالي الذي يتعين اتخاذه بإضافة رقمين وهو شيء تستطيع القردة القيام به، لدرجة أنه لا يمكن النظر إليه باعتباره ممثلاً للذكاء البشري. وهناك قصة مشابهة يمكن سردها عن كل واحد من مجالات الذكاء الاصطناعي المتعددة. وأحد المجالات هو الأنظمة متعددة الوكلاء التي تركز على تصميم التفاعل بين برامج الحركة الذاتية مثل السيارات ذاتية القيادة. والمجال الآخر هو التخطيط الأوتوماتيكي. وهناك أيضاً تعلم الآلات الذي ينظر إليه كثيرون خطأ باعتباره مقابلاً للذكاء الاصطناعي. وأساسيات كل مجال لا تتفق، حتى مع التعريف الفضفاض لمينسكي.
وظهر أيضاً دور للمشروعات الطموح التي تربط بين مجموعة مشروعات تقوم على التضافر بين مجالات الذكاء الاصطناعي المختلفة. فقد جاء العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لنا بمشروعي «جراند تشالينج» و«إيربان تشالينج» في وكالة مشروعات أبحاث الدفاع المتقدمة (داربا) التي حفزت بشدة تطوير السيارات ذاتية القيادة. وفي السنوات القليلة الماضية، تضافرت طائفة من الأبحاث في قائمة أولويات عرفت باسم «الذكاء الاصطناعي من أجل الخير الاجتماعي» التي تلهم بتحقيق تقدم ملموس في بعض من أكبر المشكلات التي تواجه البشرية.
وخلاصة القول، إن الذكاء الاصطناعي هو مسمى خاطئ نوعاً ما، لكنه مصطلح ذو مغزى فكري كان دوماً احتوائياً لأشياء كثيرة. ولهذا السبب يتعين على المستثمرين والصحفيين أن يطالبوا الشركات الناشئة التي توصف بأنها مدعومة بالذكاء الصناعي أن تفسر مدى ملاءمة تكنولوجيتها للخريطة الأوسع للذكاء الاصطناعي، بدلاً من القفز إلى استنتاجات قائمة على الوصف نفسه.
آرييل بروكتشا: أستاذ مساعد في قسم علوم الكمبيوتر في جامعة كارنيجي ميلون
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
لكن المشكلة أن منصة «ديناميك يلد» لا علاقة لها بالذكاء الاصطناعي، وفقاً لمقال نشره الشهر الماضي رئيس قسم المحتوى السابق للشركة مايك مالازو في موقع «مديام». وأقام «مالازو» حجته على أن المسوقين والمستثمرين والخبراء والصحفيين والمتخصصين في التكنولوجيا جميعهم متورطون في خدعة عن الذكاء الاصطناعي. وكتب يقول إن تعريف الذكاء الاصطناعي «مختلط للغاية لدرجة أن أي تطبيق للمصطلح يمكن الدفاع عنه».
ونقد «مالازو» يخلط بين قضيتين مختلفتين. الأولى هي التسويق المضلل عمداً والشائع في كثير من شركات التكنولوجيا الصاعدة والذي يجسده فيما يُعتقد بعض شركات سلاسل كتل البيانات. وهذا ذكرني بالقصة المشينة لشركة «لونج آيلاند ايس تي» التي شهدت ارتفاع أسهمها 289% عام 2017 بعد أن غيرت اسمها إلى شركة «لونج بلوكتشين»، مشيرة إلى خطط غائمة عن استكشاف تكنولوجيا سلسلة الكتل. والقضية الثانية هي أنه على خلاف مصطلح «بلوكتشين» (سلسلة الكتل) فإن مصطلح الذكاء الاصطناعي واسع النطاق ومبهم، وغالباً ما يعني «شيئاً يحل المشكلات الصعبة». لكن هذه القضية سابقة على الفترة الحالية. ويمكننا فهمها على أحسن وجه بفحص تاريخ الحقل المعرفي وأسسه الفكرية.
فقد ولد الذكاء الاصطناعي، كحقل علمي، عام 1956 في ورشة عمل صيفية في «دارتماوث كوليدج»، وذكر بيان مهمة ورشة العمل أن على المشاركين الأحد عشر أن يحققوا في شهرين «تقدماً كبيراً» في مهمتهم الخاصة باكتشاف «كيفية جعل الآلات تستخدم اللغة وتشكيل المفاهيم المجردة والتصورات وحل أنواع من المشكلات المقتصرة حالياً على الإنسان وتحسين نفسها». ونطاق رؤية المؤسسين كانت مذهلة، لدرجة أنه بعد ستة عقود ما زالت مهمة ورشة العمل مصدراً للإلهام. وما زلنا بعيدين عن إدراك هذه الرؤية، لكنها أعطت دفعة لمجال مترامي الأطراف من البحث. حتى التعريف الواسع للرائد «مارفين مينسكي» للذكاء الاصطناعي، وهو «علم يجعل الآلات قادرة على القيام بمهام تتطلب ذكاء» إذا قام بها البشر، هذا التعريف لم يتحقق في الوقت الحالي.
لنأخذ مجال الذكاء الاصطناعي كبحث استكشافي، على سبيل المثال. لقد بدأ في ستينيات القرن الماضي بفريق من الباحثين في معهد ستانفورد البحثي الذي كان يصمم روبوتاً له قدرة تمثل ثورة في ذاك الوقت على التحرك ذاتياً وتجنب الاصطدام بالعقبات. وأطلق الباحثون على أول لوغاريتم لتحسس الطريق «أيه.1». ثم أطلقوا على اللوغاريتم التالي «أيه. 2» وسمي الأخير «أيه» (استريك).
واتضح أن الانتقال من نقطة إلى أخرى يشبه الخروج من شكل مبدئي للغز للوصول إلى حله. وهذا يجعل «أيه» (استريك) لوغاريتماً متنوعاً بشكل هائل، ويعتبره الأكاديميون واحداً من أهم الأدوات وأكثرها أساسية في ترسانة الذكاء الاصطناعي. لكن اللوغاريتم بسيط للغاية، فهو يحدد التحرك التالي الذي يتعين اتخاذه بإضافة رقمين وهو شيء تستطيع القردة القيام به، لدرجة أنه لا يمكن النظر إليه باعتباره ممثلاً للذكاء البشري. وهناك قصة مشابهة يمكن سردها عن كل واحد من مجالات الذكاء الاصطناعي المتعددة. وأحد المجالات هو الأنظمة متعددة الوكلاء التي تركز على تصميم التفاعل بين برامج الحركة الذاتية مثل السيارات ذاتية القيادة. والمجال الآخر هو التخطيط الأوتوماتيكي. وهناك أيضاً تعلم الآلات الذي ينظر إليه كثيرون خطأ باعتباره مقابلاً للذكاء الاصطناعي. وأساسيات كل مجال لا تتفق، حتى مع التعريف الفضفاض لمينسكي.
وظهر أيضاً دور للمشروعات الطموح التي تربط بين مجموعة مشروعات تقوم على التضافر بين مجالات الذكاء الاصطناعي المختلفة. فقد جاء العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لنا بمشروعي «جراند تشالينج» و«إيربان تشالينج» في وكالة مشروعات أبحاث الدفاع المتقدمة (داربا) التي حفزت بشدة تطوير السيارات ذاتية القيادة. وفي السنوات القليلة الماضية، تضافرت طائفة من الأبحاث في قائمة أولويات عرفت باسم «الذكاء الاصطناعي من أجل الخير الاجتماعي» التي تلهم بتحقيق تقدم ملموس في بعض من أكبر المشكلات التي تواجه البشرية.
وخلاصة القول، إن الذكاء الاصطناعي هو مسمى خاطئ نوعاً ما، لكنه مصطلح ذو مغزى فكري كان دوماً احتوائياً لأشياء كثيرة. ولهذا السبب يتعين على المستثمرين والصحفيين أن يطالبوا الشركات الناشئة التي توصف بأنها مدعومة بالذكاء الصناعي أن تفسر مدى ملاءمة تكنولوجيتها للخريطة الأوسع للذكاء الاصطناعي، بدلاً من القفز إلى استنتاجات قائمة على الوصف نفسه.
آرييل بروكتشا: أستاذ مساعد في قسم علوم الكمبيوتر في جامعة كارنيجي ميلون
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»